حين يتهامس من حولك و يتسألون من هذا الغريب .. ثم يرسمون ابتسامة ترحيب على وجوههم الكادحة العاشقة لحروق الشمس و غبار العزة و العمل .. و يبدأ التسابق لتقديم خدمة لك بكل معاني الكرم و النخوة الاصالة .. وقتها كان على ثقة انك في اغنى مجتمعات العالم فقراً .. فلفقر حالهم و غنى نفوسهم ارتباط كما ارتباط ارواحهم النقية .. فيعكسون العروبة و الاخوة بأبهى الصور

شاب فقير الحال يهمس بأذن ساق الحافلة " لا املك النقود و اريد ان استقل الحافلة" فيرد السائق بحركة عفوية و يربتُ على كتفه و يقول " اصعد "..

اطفال مغادرون من مدرسة مثقلون بحقائبهم التي لمتجدد منذ سنتين على اقل تقدرير.. يصعدون نفس الحافلة و ينزلون بعد شارعين بأبتسامة طفولة طاهرة دون ان يدفع احد منهم اجر الحافلة مكتفيين بقول "السلام عليكم" .. التي تبعث تفائل هائل في نفس كل من يسمعها. يعلو صوت القرأن في الحافلة وسط خشوع عام بين الركاب , تُطرقُ قطعة معدنية على احد  نوافذ الحافلة مشيرة الى اجر سيدفع للسائق الكريم قد يكون الاول منذ الصباح , عجوز تجر اقدامها الى الباب و تمد قطعتها المعدنية , يبتسم السائق و يقول بكل جدية " خلي علينا يا حجة" فيعلو صوت العجوز بلفظ الجلالة الكريم " والله لتاخذ " .. يبتسم ابتسامة اعرض و يأخذ النقود و كأن اليمين بالله نهاية النقاش بين الاغنياء.
يرجع صوت القرأن في الحافلة و يختلط بصوت قرأة من مسجد قريب .. ثم يرفع اذان الظهر .. و تبدأ فتاة على اغلب انها ذاهبةٌ الى جامعتها التسبيح و التكبير ..تستمر الرحلة و تتعب العين من التلفت من موقف الى اخر . فهنا اجتمع اغنى اغنياء العالم و تبادلوا طيب اخلاقهم و عفوية تصرفاتهم و عبق عروبتهم ثم يبدأ النزول المتتالي للركاب.. حتى جاء دوري .. وقفت و رمقت الركاب بنظرة الوداع و شعرت بأني الافقر بينهم ... مددت قطعتي النقدية و اذا بنفس الكريم يبتسم و يقول " والله تخلي علينا" .. والله انك اغنى اغنياء العالم بحلاوة روحك .. و للرجولة و الشهامة فيك عنوان رسم بخطوط عرضها عرض الشوارع الشاهدة على عمق الانسانية و الكرامة و الشموخ المزروعة في قلبك النابض بتعب..