احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

العــلم ظــلام


سأبدأ من الصفر كما تعودت أن ابدأ ..
ولدتني أمي الحنونة بمستشفى خاص خوافاَ من مستشفيات الحكومة و أطبائها الذين تخرجوا من كليات الطب و هم يفقهون القليل عن تلك المهنة الإنسانية, و كم سمعنا عن أخطاء طبية أودت بحياة كثيرين...  لم يخبرني احد في طفولتي أن وطني الحبيب مكتظ بالجهل على شكليه المعلن و المتخفي خلف شهادة جامعية نكراء... عشت طفولتي و كان شغفي البريء أن أتم الـستة أعوام و أن ادخل المدرسة .. و ضن دماغي البسيط انه سينمو و يزدهر بالطريقة المثلى هنا في المدرسة.. أكاد لا أتذكر ألان إلا بعض الصور المزروعة في خيالي ..

"خوف" مديرة تحمل عصا و تتجول في إنحاء المدرسة (مس إيمان) ... "اضطراب" فتاة تكبرني بأعوام تجلس بيننا في الصف لان والدها لم يسجلها في المدرسة إلا عندما بلغت الـثانية عشر و تفرض سيطرتها على الصف بطريقة عنجهية بدون مراقبة المعلمة (مس عالية)...  

"بكاء" أزعجت فتاة في صفي (نور) فضربتني المعلمة (مس هناء) بعصا من شجرة نخيل على الأرجح أنها نفس الشجرة المزروعة على باب مدرستنا.. 

"خيبة أمل" من شدت انفعالي للدراسة حفظت درس النوم في الصف الثاني الأساسي غيباً و عندما طلبت من المعلمة (مس أمل ) أنا اقرأ الدرس وقفت بكل فخر و قرأته غيباً فغضبت و صرخت بصوت عالي "أريدك أن تقرأ عن الكتاب لتتعلم الأحرف" خجلت من رفاقي و أنزلت رأسي و نسيت أني قرأت الأحرف و الكلمات ألف مرة قبل أن احفظ الدرس غيباً..

في الصف الثالث كان علي الانتقال إلى مدرسة البنين أو "ضياع البنين" إن صح القول .. جدول الضرب كان جدولي الدراسي..عنف و عدم احترام ولامبالاة و عالم يرفض أن تكون على الطريق الصحيح.. و أتذكر أيضا عصا قد تكون لأحد المعلمين سقطت منه في باحة مدرستنا, كنت احملها بيدي و أتخيلها سيفاً أباري به مخلوقات فضائية رسمها لي خيالي الطفولي و إذ بشاب بالمرحلة الثانوية على اقل تقدير يركض نحوي و يأخذها و يكسرها بحركة بطولية على ركبته ..  هنا شعرت أن لا مكان للطفولة في هذه الغابة البشرية .. ولكي لا تأكلني الذئاب يجب أن أكون ذئباَ .. وضعت قدمي خارج طريق و بدأت مشواري نحو الفشل .. 

مدير مدرستي(أستاذ سميح) كان و بكل فخر بطل من أبطال الملاكمة في الأردن , صاحب صوت ترتعش أمامه الأجسام الصغيرة بكل برأتها و تطلعاتها لمستقبل امن .. 
"هروب" أطلقوا عليه في الإنذار الذي أرسل لوالدي هروب مدرسي, و لكني أضنه هروب من الغابة في لحظة فقدت فيها قوتي لمواجهة الافتراس المدرسي..
مضت الأيام و تحصيلي العلمي انخفض لدرجة اخجل من ذكرها .. دخلت المرحلة الثانوية و هنا يجب أن اختار الفرع .. و بعد تفكير طويل نطقت كلمة "علمي" أمام مدير المدرسة الذي رسم ابتسامة صفراء على وجهه العابس و كأنه يقول لي "لنشوف" ..
درست و اجتهدت لعلي انهي هذه المرحلة و اخرج من هذه الدوامة الكبيرة .. لم أكن اطمح لدخول الجامعة ولا كنت احلم أن أكون طبيباً أو مهندساً .. كل ما كنت اطمح إليه أن اخرج من هذه المدرسة .. 
التوجيهي .. المرحلة الأشد خطورة ... اقطع كل يوم مسافة مئة كيلومتر ذهاباً و أخرى إيابا بالحافلة لحضور دروس خصوصية كمرحلة تحضريه .. لم يستطع جسدي و عقلي المتوتر تحمل كل تلك المشقة .. فلم احصل على أي معلومة تذكر من تلك الدروس ..
انتهى الفصل الأول و اقتربت النتائج و معلم الفيزياء لم يصل للمدرسة بعد .. اما معلم الرياضيات قال لي بنبرة طغى عليها نوع من القسوة المفرطة و تهبيط قوي للمعنويات أن الرسوب أكيد .. و هو يضحك مع رفاقه الأساتذة .. و قد صدق .. رسبت بمادة الرياضيات و الفيزياء ..  و هنا كانت الثمرة .. اثني عشر عاماً من الضياع و الذل و البعد كل البعد عن المبادئ الأساسية للتعليم .. فشكرا لكم جميعا .. مس إيمان, مس عالية , مس أمل, مس هناء, أستاذ سميح , أستاذ عبدالكريم, أستاذ احمد , أستاذ الفيزياء " الذي لم أتعرف على اسمه الكريم".
الفصل الثاني .. نقطة الصفر من جديد .. أنا لست فاشل .. لن يوقفني مجتمعي و الوزارة التي أعدت لتقتل أحلامي .. ولا حتى بلدي الذي بدأ يظهر رفضه لي .. درست و تقدمت لامتحان الرياضيات و الفيزياء و نجحت .. بمعدل متواضع .. لكنني نجحت و كنت واحد من قلة نجحوا في المدرسة .. تسارعت الإحداث ووجدت نفسي في إحدى الجامعات القوية و بتخصص هندسة زراعية.. و هنا شعرت و لأول مرة بشغف الوجود أريد أن أكون موجود فيكِ يا بلدي و لن ترفضيني بعد ألان ما هي إلا أربعة سنوات وسأكون مهندساً و أعيش فيكِ عيشة كريمة لا يعكر صفوها أياً يكون .. و كهدية متواضعة من الرب .. كنت الأول على دفعتي في السنة الجامعية الأولى .. هنا شعرت أني أستطيع و بدأ الحلم يكبر .. و حافظت على مكان لي في الصدارة و تخرجت .. ثلاثةُ اشهر بعد التخرج كانت كافية لأشعر من جديد بالرفض , كأن صوت يرن في إذني و يقول لي : حتى ان كنت مهندس و حتى أن كنت من الأوائل .. أنت مرفوض لأنك لست ابن وزير و لست ابن سارق " ابن موظف كبير في الدولة" .. هنا قررت أن أكمل دراساتي العليا و بدأ تتضح أمامي الصورة الحقيقة لمجتمعي .. شعب يحب النساء و العشائرية و يعشق العنصرية و يهوى الانتقاد, .. مؤسسات تعليمية تهبط الهمم بدعم مالي ضعيف و لوجستي سلبي .. كنت و ما زلت اقبل الأيدي حتى استلم راتبي الذي أتقاضاه مقابل العمل كمساعد مدرس ....
و اليوم اشعر بالرفض من جديد ... و اشعر أن القبول ليس بعلمي و لا بتعبي .. حتى أكون مقبول يجب أن اسرق أو أن أتخلى عن الكثير من القيم التي بنيتها بداخلي .. سيقول لي البعض لقد تسرعت في الحكم .. أنا لم أتسرع لكني لن أخاطر أكثر على أمل أن أعيش حياة كريمة في بلد كان يجب أن يكون بلدي ..  و أن حصلتَ على الحياة الكريمة فأملك ضعيف أن تجمع بين الحياة الكريمة و الرضا عن النفس ..
لذلك و بعد تفكير طويل .. أريد أن أودعك يا بلدي بقلب يعتصر. لاني لم أجد فيكِ عزتي و كرامتي .. لم أعيش يوم كرامة كامل ... لم اعش يوما بدون مأساة أمامي .. قد أكون من الأشخاص الأقل تعاسة فيكِ ...  لذلك قلبي معكم يا أبناء البلد .. اعرف إنكم لن تستطيعوا الهروب.. رغم تمنيكم. .. ربما لن يكون لنا لقاء أخر في هذه الدنيا يا رفاق ... لكن لن أنساكم أبداً 
لن أنسى .. مودي صديقي الطفولي الذي رسمه خيالي 
لن أنسى .. ابو محمد بائع الفول و الترمس 
لن أنسى.. بائع أعلام الأردن على الإشارة
لن أنسى .. صديقنا شادي بائع الكتب 
لن أنسى.. صاحب البذلة الرسمية الذي يحمل كيس اسود يجمع به العلب المعدنية الفارغة
لن أنسى.. أبو محجوب الذي يشتم المواد الممنوعة لينقل نفسه لعالم هو ملك فيه.
لن أنسى .. صطيف و رعشت جسده المريض و وقوفه وحيدا في الشارع تحت الشتاء
لن أنسى.. بائعة العلكة الجميلة أمام مؤسسة الضمان الاجتماعي
لن أنسى .. ام الطفل الرضيع الجالسة بجانب نفق الاقتصاد تنتظر المحسنين
لن أنسى.. بيوت الدعارة المليئة بالفتيات المجبرات على بيع أجسادهن حتى لا يمتن من الجوع
لن أنساكم يا رفاق ..

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق

10:03م | 11 أيار، 2012
بدمعات حب والم اعاتب ابي ...لماذا فضلت الرحيل على وجودك بينا ,لماذا اخترت الدرب البعيد في بلد غريب لا يشبهك, لماذا هانت عليك دموعي ,لم تفكر للحظة بالخوف الذي سيلازمني و بالدمع الذي سيرطب وسادتي كل ليلة , هل كلماتي لا تعنيك ورجائي لا يهمك عندما قلت لك " بابا لا تتركنا"...."انا رايح منشانكم" هذا كان جوابك الذي لم استطع فهمه لحظتها " بدي ياكم تعيشو احسن تاكلو احسن وتدرسو احسن...." دون تفكير اجبته " بس كان كل اشي منيح هون"......... للاسف ادركت متأخره ماذا يكون " الاشي المنيح" كنا نتقاسم الكثير لكن الان نتقاسم شيئ واحد اننا كلانا نعيش في غربة....سامحني ان كنت سبب غربتك....